رحم الله امرءا عرف قدر نفسه
العبادة كمفهوم كما يعبر عنها شيخنا الشعراوي ( رحمه الله ) بأنها الالتزام بالمنهج بافعل ولا تفعل ، كذلك تشمل مفهوم العمارة لهذا الكون بالحركة والفعل .إن الإنسان كعبد لله ،أمره الله بعمارة الكون وضمن له في حالة التزامه بالقيام بهذه المهمة وفق قدراته الذاتية ورؤاه الشمولية ، أقول ضمن له البركة والنجاح .
يقول رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم:(رحم الله امرئ عرف قدر نفسه).واعتدنا نحن العرب استخدام هذا الحديث الشريف للردع، و للتدليل على قلة مقاديرنا أو من نخاطبهم، مقارنة بشيء آخر. وهذا هو الموضع الذي يستخدم فيه هذا الحديث الشريف على الأغلب أن لم يكن الوحيد. لكن الرسول المبين ضمن حديثه الكريم شفاء لكل الناس وكان الحديث الشريف دوما ينبوعا لكل ما هو جديد و مفيد.
نحاول هنا إعادة التفكر في مغزى هذا الحديث الشريف. رحم الله امرئ ، بمعنى شمله الله برحمته وبخيره الوفير . عرف ، من المعرفة ،بمعنى اطلع على العموم ،أي كون نظرة شمولية ، خلافا عن الإدراك ، الذي يعني الإلمام بالتفاصيل . قَدر ، من قدّر أو قَدَرَ ، أي على وجه التقريب ، وهذا من الإعجاز اللغوي ، في دقة اختيار الألفاظ ، فلو قال رحم الله امرئ أدرك قدر نفسه ، لتنافى مفهوم الإدراك المقترن بالتفاصيل مع مفهوم التقدير المقترن بالشمولية . نفسه ، بمفهومنا البشري نفسي تعني إبعادي ( جسدية) وقدراتي (عقلية ) وآمالي ( روحية ) .
نستخدم هذا الحديث للردع، للتقليل من فرص تحقيق الأحلام، للاستصغار، في حين أن هذا الحديث نبع فياض للتشجيع واستنهاض الهمم، إن الله يبارك من الناس أولئك القادرين على النظر الى ذاتهم نظرة موضوعية شمولية .لان هذه النظرة الشمولية افضل عون في تقدير المهام التي تتناسب مع قدرات كل واحد منا وفي إضفاء مسحة من البركة على كل ما نقوم به تماشيا مع هذه القاعدة الذهبية . الإسلام لا يقول اجلس ،حتى تمطر السماء ذهبا، بل يقول ادرس نفسك وكون نظرة شمولية عن مدى قدراتك و ميولك و مارس ما يحقق هذه القدرات والميول ……اذا فعلت ذلك فإن الله تعالى سوف يبارك في كل ما تصنع ويشمله برحمته الواسعة .
حديث آخر للرسول الكريم اعقلها وتوكل ، يبدو أن كلمة اعقل في هذا الحديث الكريم تحتمل وجهين،الأول : العقال ، أي عقال الناقة ( ربطها ) ويستفاد منه حسن تنفيذ الأعمال .و الثاني: اعقل بمعنى استخدم عقلك لتقدير مدى الحاجة إلي عقل الناقة، هل اذا تركتها ستهرب؟ أم أن المكان وطبيعة ناقتك لا يؤهلانها للهروب . ويستفاد منه ما ذكرنا سابقا أي استخدام العقل في تقدير الأمور.
|