اللغة قرار اساسي ( مرزوق بن تنباك)

منتديات بني سالم ومسروح
اللغة قرار أساسي ( مرزوق بن تنباك)
بين الحقائق وبين المُسَلَمَات بون شاسع، وكلاهما لا يشبه الآخر وإن تشبه به؛ فالمسلمات ليست حقائق، ولا يجوز أن تكون قبل التقصي والبحث.. المسلمات هي استرخاء تصالحي مع شروق الشمس وغروبها دون حفاوة بما يقع بينهما من أحداث وألوان تلمع في شاشات العيون، ومن يؤمن بالمُسَلمة لأنها مُسَلمة لا حقيقة ثابتة فسيُكتب لا ريب من الطيبين السطحيين الذين يريحون أدمغتهم وينامون في كل ليلة بعد صلاة العشاء مباشرة؛ مع ذلك فالمسلمات في أذهان البعض لا يجوز مناقشتها ولا مساءلتها من أين أتت وإلى أين تمضي بنا؟ لكن مرزوق بن تنباك انتمى عن معرفة واطلاع إلى القلائل الذين لم تستعمرهم العادية والتشابه والاقتناع الأبله بالخرافة، ولذلك يناقشون ويعترضون، ويفعلون ما هو أكثر كي يحافظوا على جودة محركات العقل ..
هذا الرجل المولود في بلاد مسروح بالمدينة المنورة عام 1950م يعتقد أيضاً أن «اللغة قرار سياسي» بمعنى آخر فإن غيابها وحضورها وتراخيها يترسم خطى القرار السياسي الرشيد ويذبل أو يورق على هواه، وكم من اللغات التي غُيبت أو أحضرت من خزانة الملابس بقرار سياسي، أو بالأحرى فرمان أعلى له لونه أصفر لا يتغير ولا يتبدل في كل عصر.. مسلمة يا عم، ويارب سلم سلم!!
من يهتمون بالعربية لا يكتبون فيها شعراً فقط؛ بل يمنحونها مهجة الروح ويديرون نكهتها في أكواب العمر مثلما يديرون قوالب السكر كي تطيب النكهة وتخضر العشايا، وتضيء مفاتن الأنثى، وكل اللغات أنثى صالحة للحياة والعشرة والإنجاب، ولذلك يخرج من الكلمة الواحدة آلاف المعاني، ومن الجملة الواحدة عشرات الشعوب والقبائل المتعارفة التي يصنعها جيراننا البشر؛ ذلك لأننا مهما اختلفنا من جذر واحد بشراً وإشارات.. يقول ابن تنباك» قبل ألفية ابن مالك وبعدها قامت اللغة بمهمتها العلمية والثقافية والحضارية» أفلا نشكره على كسر القوالب والمسلمات المقيتة التي من بينها ألفية ابن مالك؟!
اللغة عند ابن تنباك هي أخلاقك وقيمك، وقهوتك المرة السوداء؛ هي ضادك في دلة هيلك الفواح، وحينما تُمسك بأهدابها المرتعشة تحت حكم قلمك أو أسنان كيبوردك المجنون فأنت من السعداء الذين يديرون أحداقها ومجونها الصاخب شعراً وسرداً وتعاويذ وهمهمة؛ ثم لا يتوبون أبداً..
مرزوق بن تنباك راهب في محراب هذه اللغة السمراء، وعاشق لا تثنيه الحملات والردود الموجهة عن قول قناعاته في هذه اللغة ومرويات تراثها.. هو يعترف أن «حياة اللغة لا يصنعها الأموات»، ولذلك يحيا بها كي يستحث الأهل والجيران على تثوير اللغة وفتح أغوارها السحيقة كي يخرج المحار واللؤلؤ..
بمساحة وعي قل نظيرها يحذرنا المثقف واللغوي مرزوق بن تنباك من انتشار العصبية القبلية ومن بواعثها العصرية العنصرية، والمدهش أن هذه النظرة الواعية لا يمكن هضمها بسهولة في عصر المزايين، ولا الدفاع عنها حسابياً في حضرة ناقة يساوي ثمنها دية عشر رقاب آدمية!! فلتصبر يا عمنا ريثما تُنحر الجزور فربما يعود العقل..
من حسن حظنا أن يخرج الدكتور مرزوق بن تنباك ــ في زمن التسليم الأعمى ــ محاولاً إيقاظنا من عته الخرافة، والمدسوس، والمزخرف التراثي/ اللغوي أبداً على أعين الكاذبين؛ فنصدقه بالمنطق وما تبقى من خلايا نافعة للحياة تحت سقف الجماجم المعطوبة، ولكننا لا نجرؤ على اجتياز أي شبك شائك صُمم خصيصاً للطيبين أمثالنا، ولذلك يعيش ابن تنباك أشبه بالغريب الذي يشير إلى الشمس في حظيرة عميان يشعرون بدفئها ولا يرونها، ومن رحمة الله أنهم لا يرونها!!