فمن هذه النّاحية نرى كم هي عظيمة تلك النّفوس المتسامحة التي تنسى إساءة من حولها، وتظلّ تبتلع حماقاتهم، وأخطاءهم، لا لشيء سوى أنها تحبّهم حبّاً صادقاً يجعلها تعطف على حماقاتهم تلك، وتضع في اعتبارها أنه لا يوجد إنسان معدوم الخير، ولكن يحتاج إلى مخلص يبحث عن ذلك الخير، فهي تعذرهم؛ لأنّها تضع في اعتبارها أنّ من يسيء لغيره قد يعيش ظروفاّ صعبةّ أدّت به أن يسيء لمن حوله، لكنّه لايجد من يعذره ويتسامح عن زلّته.. فالتّسامح قد يقلّل كثيراً من المشاكل التي تحدث بين الأقران والأحبّة؛ لسوء الظّن، وعدم التماس الأعذار، فقد يكون شخصٌ ما صديقك، وأخاً لك، ولكن لتصرّف صدر منه خطأ قامت الدّنيا ولم تقعد، وبدأ الشّيطان يوسوس لا بدّ بأنّه فعل كذا لأنّه يريد كذا، أو قال كذا يقصد كذا، وهو لم يقل تلك الكلمة لشيء ولا لسبب، إنّما خرجت منه دون قصد، لذلك نقول إنّه علينا أن نزن كلماتنا قبل أن تخرج؛ لأنّ الكلمة رصاصة، إذا خرجت لا تعود. وحتّى تكون نفوسنا عظيمةً كتلك النّفوس، صافيةً شفّافةً لا تعرف الأحقاد، كالزّجاجة تشفّ عمّا بداخلها؛ لأنّها لا تحوي سوى الحبّ والإخلاص، تلك النّفوس حقّاً هي الّتي تستحقّ أن تُقدّر وتُحترم؛ فهي تأسر القلوب بسرعةٍ ولأوّل وهلة؛ لأنّها صدقت مع الله، ثمّ مع نفسها، وبالتّالي مع جميع الخلق.
|