الإعلام ليس محايدا ( الدكتور مرزوق بن تنباك)

الإعلام ليس محايدا


14 ربيع الأول 1436 - 06 يناير 2015

يواجه الناس في العصر الحاضر كما هائلا من المعلومات متعددة المصادر واللغات والثقافات تلقي بها وسائل الإعلام الجديد بكل أنواعه التي تتخذ من الفضاء المفتوح مجالا رحبا لانتشارها وسيرورتها مع الآفاق، كل أخبار العالم أصبحت بين يديك، مشاعا للجميع، لمن تهمهم أمور العالم ومعرفة ما يدور به ولمن لا تهمهم، ولمن يريد أن يسمع ما يحدث في قارات الدنيا ولمن لا يعرف عدد القارات فضلا عن أن يسمع منها أو عنها، هذا الشيوع والانتشار للمعلومات والأخبار قد يظن الكثير من المتابعين للشأن العالمي أنه في صالح الناس فيكون الجميع على علم ومعرفة في الأحداث مهما بعدت عنهم ومهما كان مكانهم منها فتحمل الأخبار عادات الأمم المختلفة وتحمل ثقافات عديدة كما تحمل معها فيما تحمل ما يحب المرء أن يعرفه وما لا يحب أن يراه ولا يعرفه، تدور عجلة الأخبار بينهم فتكون المشاركة الإنسانية في السراء وفي الضراء وهذا هو الجانب المقبول من هذا الانتشار العريض للمعلومة، فلا تخفى منها خافية على أحد هذا الجانب الإيجابي والمقبول.
أما الجانب غير المقبول فإن هذا الفضاء الواسع أصبح يحمل معه مآسي العالم كله فيرى المشاهد الكوارث التي تدمي القلب ويرى المجاعات والقحط والأوبئة ويشاهد ما تخلفه الحروب من الدمار والكوارث، كما تنقل له كل صور الإجرام في أنواعه وضحاياه وكأن كل ما في العالم من مصائب يحدث في بلده الذي يعيش فيه وحيه الذي يسكنه و أصبح على المتابعين لسيل المعلومات أن يتعاملوا مع الواقع الجديد وكأنهم هم الذين يعيشون كل الأحداث وهم الذين يصنعونها، ولم يعد بالإمكان أن يعزل أحد نفسه ويبعدها عن مآسي العالم التي تؤلم الضمير وتحيل سعادة المرء إلى بؤس وألم إن لم يكن يعيش المآسي فسينظر إليها ويشاهدها ويرى أحداثها التي يجلبها له هذا الإعلام من كل أنحاء الأرض، ولا بد أن يوطن نفسه على ما يدور في العالم من معضلات حتى ولو كانت قاسية، ويتحمل حقه منها مهما كان موقعه ومهما بعده عنها فإن الإعلام والعولمة تلاحقه بها وتدفعه إلى المشاركة الوجدانية سلبا أو إيجابا.
انتقل الإنسان من العزلة التي كان يعيشها في الماضي، ولم يعد محيطه الضيق يتسع له ولا يستطيع أن يعيش فيه كما كان أجداده وأسلافه يعيشون حياتهم ويهتمون بشؤونهم المحدودة القريبة منهم وقلما عرفوا ما هو أبعد من ذلك، أصبح اليوم يعيش مع العالم ويتفاعل مع كل الأحداث التي ليست عن محيطه ولا عن دولته ولا قارته حيث يعيش، وصار عليه أن يتفاعل مع كل القضايا ومع كل الأحداث التي تحدث في العالم كله.
الحكم على هذا الواقع الجديد لا يمكن تفسيره لصالح الانطواء والانعزال عن العالم وما فيه من جديد في كل شيء ولكن لمعرفة ما يؤخذ وما يترك وما يصلح لبلد وناس، وقد لا يصلح لبلد آخر وناس آخرين، أمامنا مساحة ضخمة من الخيارات لا بد أن نستفيد منها ونأخذ ما نحتاجه وما يتفق مع توجهاتنا الفكرية والثقافية وما نرى أننا بحاجة إليه وأن نحسن الاختيار.
إن الإعلام اليوم لا يمكن أن يكون محايدا فيما يعرض من الأحداث ولا موضوعيا فيها ولكن يمكن أن يعطي خيارات كثيرة لمن يعرف ما يريد من الإعلام ومن يستطيع الفرز والاختيار لما يناسب له وما يستفيد منه وما يصلح أخذه وما يجب تركه والابتعاد عنه وهو كثير بل هو الأكثر، وهنا تكون المسؤولية الأخلاقية والثقافية لتمييز النافع من الضار والموافق لما يريد، ويناسب كل ثقافة أو يعارضها.