الجامعات الجديدة.. والخطى المتعثرة ( فهد السلمان)

الجامعات الجديدة.. والخطى المتعثرة

فهد السلمان

مضى ما يُقارب العشر سنوات تقريباً على اكتمال انتشار التعليم الجامعي بحيث أصبح يغطي كافة مناطق وجهات المملكة، في أهمّ مشروع حضاري قاده الملك عبدالله، وحرص على أن يوفر له من الميزانيات السخية ما يكفل له كل أسباب النمو، إلى جانب حرية الحركة، والبعد عن قيود النمطية المالية، التي غالبا ما تشلّ أي عمل أو تعوق تقدمه، ومع هذا فأنا كمواطن اليوم أبحث عن أثر هذه الجامعات في محيطها على صعيد البحث العلمي والاجتماعي، وعلى صعيد التنمية المحلية، وعلى صعيد التأثير في معايير الثقافة الوطنية، فلا أكاد أجد أي أثر يُذكر، يُمكن أن يتناسب مع ما صُرف على تلك الجامعات، فكل ما فعلته هو أنها وسّعتْ دائرة القبول في التعليم العالي، وهذا طبيعي، وأتاحت المزيد من فرص العمل والوظائف، ولملمتْ حملة درجة الدكتوراه من مختلف القطاعات، وممن حصلوا غالباً على درجاتهم العلمية أثناء الوظيفة، ليكونوا هم عصب قياداتها وأعضاء هيئة التدريس فيها. تُفتّش عن منجز علمي واحد أو دراسة عميقة واحدة لقضية وطنية أو فكرية أو اجتماعية يُمكن أن يُعتدّ بها فلا تكاد تجد شيئاً - أتحدثْ عن الجامعات الجديدة على الأقل والتي لا نسمع عنها سوى ما يرشح من خلافات وظيفية تافهة في صفوف قياداتها، أو الانسياق خلف النشاطات التقليدية للقطاعات الأخرى والمشاركة فيها من باب تسجيل الحضور على طريقة (شوفوني) وكفى.

كنتُ كمواطن أتصوّر أن هذه الجامعات ستتحول خلال بضع سنوات إلى خزانات للتفكير، إلى مؤسسات لقياس الرأي العام، إلى مختبرات ومعامل للتجارب العلمية، إلى مراكز بحوث موضوعية تقود مجتمعاتها للنمو الحضاري والتطور العلمي والثقافي، إلى جهات مبادرة قادرة على توظيف هذه الاعتمادات الكبيرة لصناعة التغيير في محيطها الاجتماعي والوطني، وتعديل مسارات التنمية وتصويبها. لكن بات من الواضح أن بعض قيادات هذه الجامعات غير قادر على أن يتجاوز بها نمط قيادة مدرسة ثانوية، فضلا عن أن ينهض بها إلى مستوى قامة هذه المفردة المهيبة (جامعة)، الأمر الذي جعلها تظل تدور في فلك الإدارة بالمشادّات، أو الإدارة بالاحتفال والتطبيل وبشكل مخجل.

وبالمناسبة وقبل فترة كنتُ أقرأ في إحدى الصحف عن مشروع لنسمّه مجازا هكذا، تبنته إحدى تلك الجامعات، يبدأ الخبر بإعلان مدير الجامعة عن المشروع، لتنهمر بعد ذلك تعليقات بقية مسؤولي الجامعة لتهلل وتكبر لذلك الفتح العظيم، (كل هذا ماشي)، غير أن المخجل هو أن القاسم المشترك بين تلك التعليقات هو الإشادة بما وصفه المعلقون من الوكلاء وأعضاء هيئة التدريس ب (توجيهات مدير الجامعة)، وهذه اللعبة نعرفها عزّ المعرفة في الإدارة النمطية كصيغة تملّق للمسؤول الأول لتمكين الحظوة، لكن إن كنا قد بلعناها هناك فإنها قطعاً لا تليق بمؤسسات جامعية ولا بأكاديميين يُعوّل عليهم الوطن كل أحلامه في تأسيس الوعي، وبناء الثقافة العلمية.

بعض الجامعات تجدها تغصّ في قضايا بنية تحتية تافهة، لا تحتاج إلى خبراء ولا إلى مستشارين، وتعجز عن تجاوزها، ربما لأن المسؤولين لا يجدون ما يكفي من الوقت للخروج من دوامة الورق والمكاتبات للوقوف مباشرة على تلك العثرات والحسم في حلها، فضلا عن أن يتفرغوا لصناعة المبادرة والبحث العلمي. ولي رجاء أخير، تعالوا نُحصي الكراسي العلمية وما أُنفق عليها، ونقرأ لوائحها واستهدافاتها الطويلة، ثم لنفتش بعدئذ عن منجز واحد لها ولو بحجم رأس الدبوس؟ لنقيس المسافة المتوارية بينها وبين أي مدرسة ثانوية، والسلام عليكم.