وقفات تدبرية حول الفاتحة والجزء الأول:

﷽
*وَقفَاتٌ تَدَبُّريَّةٌ* {1- 30}
الوَقْفَةُ الأُولَى حَوْلَ ۩ الجُزءِ الأوَّل ۩
°°°° °°°° °°°° °°°°
بُنيَت سورة الفاتحة على العبودية، فإن العبودية إما محبة، أو رجاء، أو خوف، و*﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾* محبة، و*﴿الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمَِ﴾*رجاء، و*﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾* خوف، وهذه هي أصول العبادة، فرحم الله عبدًا استشعرها.
°°°° °°°° °°°° °°°°
وكثيرا مايقرن الناس بين الرياء والعُجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله ﷻ: *﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾* والمعجب لا يحقق قوله ﷻ: *﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾*
[ابن تيمية مجموع الفتاوى 10 -277]
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾* الغاية، و*﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾* الوسيلة، فلن تستطيع أن تعبد الله إلا بالله، فالبداية من الله والنهاية إلى الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
[ابن تيمية العبودية 10- 22]
°°°° °°°° °°°° °°°°
*وفي لفظة: *﴿أَنْعَمْتَ﴾* فوائد كثيرة منها:
1- أن الصراط المستقيم نعمة من أعظم النعم.
2- أن الهداية لا بعمل العبد، بل نعمة من الله ﷻ أُسديت إليه.*
3- أن المنعم بالهداية هو الله ﷻ وحده.
4-وفيه أدب النعمة أن تنسب لمسديها خاصة حال مخاطبته بها.
5- كمال الأدب مع الله في المخاطبة بإضافة ألنعمه إليه *﴿أَنْعَمْتَ﴾* وحذف فاعل الغضب (المغضوب) لم يقل: (غضبت).
°°°° °°°° °°°° °°°°
أنفع الدعاء، وأعظمه، وأحكمه دعاء الفاتحة
*﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾* فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته، وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
[ابن تيمية رسالة الحسنة والسيئة 82]
°°°° °°°° °°°° °°°°
نمدُّ الأيدي في كل يوم لنعاهد الله *﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ﴾*، وهذا يعني أن تكون حياتنا كلها تمتد بين *﴿الْحَمْدُ لِلَّـهِ﴾*وحتى (آمين)، لابد للوفاء بالعهد من قلب يطرب أنسًا بسماع *﴿الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمَِ﴾*، ونقف إجلالاً مع *﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾*، وينكسر راجيًا *﴿اهْدِنَا الصِّرَ‌اطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾*، إنه أعظم عهد في أعظم سورة،*﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾*فهل وعت قلوبنا لوازم ذلك العهد؟
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُون﴾*
قال ﷻ:*﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ولم يقل: (بنارهم) لأن النار فيها الإحراق والإشراق، فذهب بما فيها من الإضاءة والإشراق، وأبقى عليهم ما فيها من الأذى والإحراق، وكذلك حال المنافقين: ذهب نور إيمانهم بالنفاق، وبقي في قلوبهم حرارة الكفر، والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم ..
[ابن القيم الوابل الصيب 94]
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾*
ليس في القرآن غيرها: لأن العبادة في الآية: التوحيد، والتوحيد أول ما يلزم العبد من المعارف، فكان هذا أول خطاب خاطب الله ﷻ به الناس في القرآن، فخاطبهم بما لزمهم أولاً، ثم ذكر سائر المعارف، وبنى عليها العبادات فيما بعدها من السور والآيات.
[البرهان ]
°°°° °°°° °°°° °°°°
قال سهل بن عبدالله: ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي، لأن آدم نُهي عن أكل الشجرة *﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾* فأكل منها؛ فتاب الله عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم،
فلم يسجد *﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾* فلم يتب عليه.
[ابن القيم الفوائد 171]
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين﴾* ‏الجنة حلال لآدم مع سعتها إلا شجرة واحدة فأشغل إبليس نفس آدم بها فضاقت الجنة بسعتها، واتسعت الشجرة بضيقها!
‏كيف بإبليس مع دنيا ضيقة ومحرمات عدة ؟!
°°°° °°°° °°°° °°°°
إذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا تَرجه، وإذا كانت خطيئته في معصية فارجه، فإن خطيئة آدم في معصية *﴿فَأَكَلَا مِنْهَا﴾*،وخطيئة إبليس في كبره.*﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾*
[ابن عباس تفسير الطبري 15- 288]
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾* بنو إسرائيل فتنوا بالبقرة مرتين من بين سائر الدواب، ففتنوا بعبادة العجل، وفتنوا بالأمر بذبح البقرة، والبقر من أبلد الحيوان، حتى ليضرب به المثل.
[ابن القيم بدائع التفسير30- 139]
والظاهر: أن هذه القصة كانت بعد قصة العجل ففي الأمر بذبح البقرة تنبيه على أن هذا النوع من الحيوان الذي لا يمتنع من الذبح والحرث والسقي لا يصلح أن يكون إلها معبودا من دون الله تعالى وأنه إنما يصلح للذبح والحرث والسقى والعمل..
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾* لدعاة الضلالة في إغواء الناس طريقتان، 1- تلبيس الحق بالباطل، وهي المشار إليها بقوله ﷻ *﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾* 2- حد الحق وإخفائه وهي المشار إليها بقوله ﷻ: *﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾*
[محمد الخضر الأعمال الكاملة 1-83]
°°°° °°°° °°°° °°°°
﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾
بيان حكمة الله ﷻ في في مناسبة العقوبة للذنب؛ فالذنب الذي فعلوه أنهم فعلوا شيئا صورته صورة المباح، ولكن حقيقته غير مباح، فصورة القرد شبيهة بالآدمي، ولكنه ليس بآدمي، وهذا لأن الجزاء من جنس العمل.
[ابن عثيمين تفسير سورة البقرة 1- 218، 219]
°°°° °°°° °°°° °°°°
التحايل على النصوص قال ﷻ: عن أصحاب السبت من بني إسرائيل *﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾*
إذا كان الله نكّل بعقوبة هؤلاء سائر من بعدهم، ووعظ بها المتقين، فحقيقٌ بالمؤمن أن يحذر استحلالِ محارم الله بأدنى الحِيَل، فذلك من أشد أسباب العقوبة.
[ابن تيمية بيان الدليل 47]
°°°° °°°° °°°° °°°°
*﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾* فمن جعل أهل القرآن كذلك، وأمرهم أن يكونوا فيه أميين، لايعلمون الكتاب إلا تلاوة، فقد أمرهم بنظير ماذم الله عليه أهل الكتاب.
[ابن تيمية مجموع الفتاوى 16-415 ]
°°°° °°°° °°°° °°°°
إذا أعرض الإنسان عن الوحي الذي تلاه الله على رسوله ﷺ، أبتلي باتباع وحي الشياطين، فتأمل قوله ﷻ عن اليهود لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم *﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾* وهي سنة ماضية في كل معرض ومستبد *﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾*
_____________
{7910} م [المجموعة السادسة]
1437/9/1ھ