أظهرت النتائج الإحصائية أن مقياس التقدير العددي للألم انخفض في مجموعة الحجامة أكثر منه في مجموعة قائمة الانتظار، لكن لم يكن الاختلاف بين المجموعتين ذا دلالة إحصائية. أما استفتاء Oswestry لقياس الألم الناجم عن العجز، فلم يظهر اختلافات مهمة بين المجموعتين، ومع ذلك فقد أظهرت مؤشرات الألم الحالي اختلافات ذات دلالة إحصائية بين المجموعتين. وبسبب الحجم الصغير لعينة الدراسة لا يبدو مهماً أن درجة التحسين الوظيفي -وفقاً لمقياس ODQ- لم تكن كبيرةً بما فيه الكفاية ليظهر اختلاف ملحوظ بين المجموعتين. وقد لاحظ فريق البحث أنه خلال أربعة أسابيع من المعالجة كان معدل استعمال مجموعة الحجامة لعقار الأسيتامينوفين Acetaminophen المسكّن أقل منه في مجموعة قائمة الانتظار التي لم تخضع للمعالجة بالحجامة، ولم تسجل أيّ مضاعفات أو أعراض جانبية بسبب العلاج بالحجامة. واستنتج فريق البحث أنه على الرغم من عدم تسجيل اختلاف ملحوظ في مقياس التقدير العددي للألم إلا أن المعالجة بالحجامة تبدو فعالةً في تخفيض درجة الألم الحالي باستخدام مقياس PPI، إضافةً إلى فعاليتها في تقليل استعمال المسكنات وفقاً لإجمالي العدد الكلي لجرعات الـacetaminophen الذي تمّ استعماله في هذه الدراسة. وخلص الباحثون إلى أن هذه الدراسة الأولية قد تزوّد المهتمين ببحوث الحجامة ببيانات تمهيدية حول فعالية تطبيق الحجامة في علاج ألم أسفل الظهر وأمانه. وفي النهاية، أوصى الباحثون بضرورة إجراء مزيد من التجارب والدراسات العشوائية المحكمة على نطاق شامل؛ لتقديم الدليل الحاسم لفعالية هذا النوع من التدخل العلاجي.
دراسة ثالثة من تايوان
دراسة أخرى أجراها في تايوان الدكتور لين ورفاقه عام 2012م أظهرت أن الحجامة الجافة يمكن أن تكون خياراً مناسباً لمعالجة المرضى الذين يعانون ألم أسفل الظهر. وكان الهدف من هذه الدراسة هو تقويم تأثير العلاج المزدوج بالوخز بإبر الليزر والحجامة الجافة في ألم أسفل الظهر، وتمّ فيها تقسيم المرضى الخاضعين للدراسة بشكل عشوائي مجموعتين: مجموعة العلاج المموّه التي تلقّى أفرادها علاجاً زائفاً ممثّلاً في الليزر الخادع والحجامة الجافة، والمجموعة النشطة التي تلقّى أفرادها علاجاً حقيقياً ممثّلاً في الوخز بإبر الليزر والحجامة الجافة، واستخدمت أجهزة حديثة صُمِّمت للجمع بين العلاج بالحجامة الجافة والعلاج بالإبر الصينية توضع فيها الكؤوس على نقاط الإبر الصينية نفسها، واستخدم الباحثون المقياس التمثيلي البصري VAS لقياس درجة الألم، وتقويم تأثير المعالجة في ألم أسفل الظهر. وأظهرت النتائج اختلافاً ملحوظاً بين درجة الألم في اليوم الأول والخامس من بدء المعالجة في المجموعتين، وأكدت أن دمج المعالجة بالوخز بإبر الليزر مع الحجامة الجافة اللطيفة Soft Dry Cupping على موضع الإبر الصينية المعروف باسم Weizong acupoint، إضافةً إلى مواضع الألم التي يحدّدها المريض Ashi acupoint، يمكن أن يخفّف أعراض ألم أسفل الظهر. وفي النهاية، خلص الباحثون إلى أن المعالجة بالوخز بإبر الليزر مع الحجامة الجافة كان فعالاً، ويمكن أن يكون أحد الخيارات العلاجية المناسبة للمرضى الذين يعانون ألم أسفل الظهر.
كيف تساعد الحجامة على تخفيف ألم أسفل الظهر؟
هناك عدد من النظريات والآليات الفسيولوجية التي يمكن أن تفسّر آلية عمل الحجامة، والطريقة التي تُحدث بها أثرها العلاجي في المرضى الذين يعانون ألم أسفل الظهر، منها ما يأتي:
- نظرية بوابة التحكم في الألم Gate Control Theory:
ينتقل الإحساس بالألم، وكذلك الإحساس بالحرارة أو البرودة، على شكل موجات عبر بوابات متعددة على مسار الجهاز العصبي المركزي، وخلال نهايات الألياف العصبية الدقيقة، ومنها إلى الحبل الشوكي بالعمود الفقري. وعبر البوابة التي تسمى (Substantia Belatinosa) ينتقل هذا الإحساس إلى الدماغ، وعندما يصل التنبيه إلى المخ عن طريق الأعصاب فإن المخ يترجم هذا التنبيه حسب مصدره ونوعه؛ أي: يحدد نوع التنبيه، ألماً كان أم لمساً، حرارةً أم برودةً. وفي الظروف العادية تكون هذه البوابات مفتوحةً بشكل يسمح لإشارات الألم بأن تعبر خلالها بسهولة، لكن إذا وصل عدد التنبيهات التي تصل إلى المخ في وقت واحد إلى عدد كبير فإن المخ لا يستطيع التمييز بينها، وعندئذٍ يتوقف عن العمل؛ فيلغي الشعور من المنطقة التي زاد فيها عدد التنبيهات. وعند التأثير في المنطقة المؤلمة باستخدام الحجامة تنطلق من نهايات الأعصاب في المنطقة المحجومة موجات هائلة من التنبيهات والإشارات العصبية غير المؤلمة، التي تسافر عبر نهايات الألياف العصبية الغليظة إلى بوابة الحبل الشوكي، ويؤدي ازدحام الإشارات إلى إغلاق هذه البوابة تماماً؛ فيتوقف انتقال الإحساس الناتج من تطبيق الحجامة، وأيّ إحساس آخر آتٍ من أيّ منطقة في الجسم، بما في ذلك الإحساس بألم أسفل الظهر، إلى الدماغ، وكأن الدماغ يقوم بإلغاء الشعور من المنطقة، ويزول الألم. تماماً كما يحدث عندما يتدافع عدد كبير من الأشخاص للدخول من بوابة واحدة، فيجبر ذلك البواب على إغلاق البوابة، ومنع الجميع من الدخول عبرها، لكنه يسمح بعد ذلك بمرور الإشارات الآتية عبر الألياف الغليظة، وهي الإشارات غير المؤلمة، وهو ما يُعرف بالتفاعل الاستبدالي؛ أي: بدلاً من وصول الإشارات المؤلمة إلى الجهاز العصبي المركزي فإن إشارات غير مؤلمة تصل إليه، وبذلك يحدث المفعول المسكّن، ويُعتقد أن الجهاز السمبثاوي يؤدي دوراً في هذه الخاصية التوصيلية، أو أن يؤدي ذلك إلى نظرية التحكم المركزي في بوابة الألم، أو التثبيط المركزي للجهاز العصبي؛ أي: قصر الشعور بالألم داخل الدماغ، وليس في الحبل الشوكي أو ما يحيط به، وذلك عن طريق إفراز المواد الأفيونية (مسكنات الألم الطبيعية التي ينتجها الدماغ) والهرمونات العصبية؛ مثل: الإندورفين والإنكيفالين، التي تنتج المورفين بشكل طبيعي.
ويقوم هذا التعليل للأثر المسكّن للحجامة على النظرية الفيسيولوجية التي تُعرف بـ(نظرية التحكّم في بوابة الألم)، وأول من وضع هذه النظرية، ونشرها، وأجرى البحوث عليها، هما العالمان: رونالد ميلزاك، وباتريك وول، عام 1962م. وفي عام 1965م اقترحا أن الألم ليس مجرد نتيجة مباشرة لتنشيط ألياف الألم، لكن ينتج من التفاعل بين الإثارة والكبت لمسارات الألم. ووفقاً للنظرية، فإن التحكّم في الألم يكون بتثبيط مسارات الألم؛ لذلك فإن الإحساس بالألم يمكن أن يتغيّر الشعور به، أو عدم الشعور به، عن طريق عدد من الوسائل من الناحية الفسيولوجية والنفسية والطبية. وقامت نظرية بوابة التحكم بشكل مستقلّ بعيداً من الوخز بالإبر بناءً على علم الأعصاب، لكن هذه النظرية تفسّر أيضاً تأثير الوخز بالإبر الصينية في السيطرة على الألم، وعُدَّت في وقت لاحق آليةً لتوضيح فرضيات تحليل عمل الوخز بالإبر في جذع الدماغ (تشكيل شبكة جذع الدماغ) كما أكّد ذلك اختصاصي ألماني في علم الأعصاب عام 1976م. ونظرية بوابة الألم لا تفسّر فقط آلية عمل الإبر الصينية؛ فهذه النظرية تُطبَّق أيضاً على كثير من أجهزة العلاج الطبيعي.
- نظرية الهرمونات العصبية Neurohormonal theory:
يمكن لناقلات الألم أن تتكيّف مع كثير من المستويات الأخرى في الدماغ على طول مسارات الألم، بما في ذلك القشرة الرمادية، والمهاد، ومسارات التغذية المرتدة من قشرة المخ إلى المهاد. ويكون قصر الألم على هذه الأمكنة في المخ غالباً من خلال الهرمونات العصبية، خصوصاً تلك التي ترتبط بمستقبلات الأفيونيات (مكان القضاء على الألم). ويمكن أن يرتبط التأثير المسكّن للحجامة بإفراز الإندورفين الطبيعي في الدماغ؛ إذ تثير عملية الحجامة نهايات الأعصاب العارية الموجودة في الجلد والعضلات وأنسجة الجسم المختلفة التي تنقل أو تستقبل الألم بوصفها مستقبلات خاصة له، ويؤدي الضغط السلبي داخل كأس الحجامة إلى الامتصاص القويّ للجلد، ويترتب على ذلك الإحساس بالألم، وهو -بدوره- يعمل على تنشيط الجهاز العصبي لإفراز هرمونات مسكنة داخلياً تشبه في مفعولها الأفيون ومشتقاته، إلى درجة أن العلماء أطلقوا عليها اسم المواد شبه الأفيونية، وهي: الانكفالينات Enkephalins، والإندورفينات Endorphins، ولهذه الانكفالينات والإندورفينات مستقبلات خاصة بها. وإطلاق هذه الهرمونات، التي تُفرز طبيعياً من جسم الإنسان، يسكن الألم، ويعمل على تفعيل عوامل مناعية/ عصبية Fctors Neurohumoral أخرى، وهو ما يحدث تغيّراً في آلية استقبال الألم في الدماغ والحبل الشوكي. ويُعزى إليها الأثر التسكيني للألم الذي تحدثه الإبر الصينية Acupuncture، لكن في الإبر الصينية يتم تنبيه مراكز الإحساس فقط، أما في الحجامة فيتم تنبيه مراكز الإحساس، إضافةً إلى تحريك الدورة الدموية، وتنبيه جهاز المناعة. ويُعزى إلى الانكفالينات والإندورفينات كذلك تفسير التسكين بالإيحاء، كما يُعزى إليها تسكين الآلام الجسمانية التلقائية. وعندما يثبط إفرازها بتأثير الإدمان للأفيون ومشتقاته؛ أي: التناول المنتظم للأفيون، تحدث آلام شديدة في الجسم ضمن الأعراض الانسحابية.
وطبقاً لنظرية (برومرز)، فإن الانكفالينات والإندورفينات المفرزة تقوم بالالتحام مع مستقبلات الألم في النهايات العصبية، وهو ما يؤدي إلى تقليل الجهد الممارس على النهاية العصبية، وتقليل التوصيل، وبذلك تسافر الإشارات العصبية المؤلمة بشكل بطيء جداً وقليل أيضاً، كما تستقبل الخلايا العصبية المستقبلة للإشارات موجات أقلّ، وإحساساً أقلّ، وتكون النتيجة النهائية انحسار موجة الألم، وتراجع الإحساس به. ومن جهة أخرى، تعمل هذه الهرمونات على تهدئة الالتهاب عبر إطلاق مواد كيميائية تعمل على ضبط التفاعلات الوعائية والمناعية في الجسم وتقويمها.
- نظرية الألم المشتّت Counter Irritation:
يزيد عدد مستقبلات الألم التي تنتشر على سطح الجلد، سواء أكانت مستقبلات للحرارة، أم الرطوبة، أم اللمس، أم للألم خاصةً؛ لذلك يمثّل الجلد الدرع الواقي لأنسجة الجسم من الأذى، ليس بسبب تغليفه سطح الجسم بالكامل وامتداده فحسب، لكن بسبب كثرة المستقبلات فيه؛ لأن النهايات العادية للأعصاب المنتشرة بين خلايا الجلد تعمل على حماية الجسم من خلال تنبيه الإنسان للابتعاد عن مصدر الأذى الذي سبّب الاستثارة العصبية، وإنقاذ جسمه من الخطر. ويمكن أن يزول الألم بتشتيت الانتباه عنه بنوع آخر من الاستثارة، وهذه النظرية العلمية يطبّقها كلّ منّا تلقائياً عندما يشعر بألم أو حكّة في أيّ جزء من جلده، فيقوم بتدليك المكان أو هرشه؛ فلا يشعر بالألم بعد ذلك. وهذا الأمر كان يُستعمل في العلاج الشعبي في صورة الكيّ بالنار لجزء من الجسم؛ فيحدث ألماً يشغل اهتمام المريض عن الألم الأصلي المستهدف علاجه، فينساه المريض. وتعدّ الحجامة أيضاً إحدى وسائل علاج الألم القائمة على النظرية ذاتها.
- إخراج المواد المسبّبة للألم Removal of painful substances:
أوضحت النظرية الكيميائية لحدوث الآلام أن الألم يحدث بتأثير المواد المسببة للألم (المثيرات المؤلمة)، وهي المواد الناتجة من موت الأنسجة، أو التهابها، مثل: مادة البراديكينين Bradykinin، ومادة الهيستامين Histamine، ومادة أخرى أطلق عليها المادة P. وتنطلق هذه المواد الكيميائية من الأنسجة المتألمة؛ لتثير نهايات الأعصاب العارية الموجودة في الجلد والعضلات وأنسجة الجسم المختلفة التي تنقل أو تستقبل الألم بوصفها مستقبلات خاصة له، ويترتب على ذلك الإحساس بالألم. وإخراج هذه المواد لا يعمل فقط على تقليل الآلام، لكن على تقليل الالتهاب الحادث في المكان المصاب أيضاً؛ فمادة الهيستامين -مثلاً- من ضمن نواقل الالتهاب Inflammatory mediator، وعندما تُفرز وتُحرّر من الـmast cells تؤدي إلى توسيع الأوعية الدموية، وزيادة نفاذية جدار الأوعية الدموية، وهذا الأمر يؤدي إلى ظهور أعراض الحساسية، مثل: سيلان الأنف، وتدميع العينين Watery eye.
ويعمل امتصاص الحجامة للجلد على إخراج التجمعات الدموية الموجودة داخل العضلات ناحية الجلد، ويعتقد أن الحجامة بذلك تعمل على إخراج المواد المسببة للآلام، وتقليل الدم والسوائل التى تصاحب عملية الالتهاب بإخراج هذه السوائل من المسافات البينية بين الخلايا، ومعها المواد المنشطة للالتهاب، مثل مادة الهيستامين. كما يفترض بعض ممارسي الحجامة أنها تعمل على إخراج حامض اللاكتيك LACTIC ACID، الذي يسبّب تراكمه في العضلات حدوث الآلام والإجهاد العضلي، فيزول الإجهاد والشد العضلي. ولا يقتصر تأثير الحجامة على نزح الدم المحمّل بمسببات الألم، أو ما يسمى بالدم الفاسد مجازاً؛ إذ لا يوجد دم فاسد داخل الجسم، فإضافةً إلى ذلك تمدّ عملية إزالة الدم المحتقن من موضع الحجامة العضلات المعتلة بالدم الجديد المحمّل بالأكسجين والغذاء وأسباب الحياة، وبذلك تعمل الحجامة على توصيل الأكسجين اللازم للألياف العضلية، وهو ما يزيد استهلاك الخلايا له؛ فتنشط هذه العضلات وتعود إلى طبيعتها، وكلّ ذلك يعزّز تقوية العضلات، وتحسين أدائها، وتصبح أقدر على مقاومة الألم.
- نظرية تعزيز الارتواء الدموي:
يتسبّب الألم في حدوث تقلّص عضلي في العضلات المحيطة بمكان الألم، ويتسبّب هذا التقلص في حدوث نقص في حركة المفصل المصاب، وحركة المريض عامةً، ويُحدث هذا النقص في الحركة نقصاً في الدورة الدموية، وركوداً للدم في المكان المصاب، ويتسبّب نقص الدورة الدموية في حدوث الألم مرةً أخرى؛ لذلك فإن الحجامة تعمل على فتح هذه الدائرة عند منطقة الألم، وعند منطقة نقص الدورة الدموية؛ فهي تعمل على تقليل الألم بطرائق مختلفة، وتعمل أيضاً على تنشيط الدورة الدموية؛ لذلك فإنها تفيد كثيراً في جميع الآلام التي تصاحبها تقلّصات عضلية؛ إذ تعمل على تقليل التقلّص العضلي.
وهكذا، يرتبط الألم بنقص الدورة الدموية في موضع الألم؛ لذا فإن تنشيط الدورة الدموية يقلّل الألم. وتتميز العلاجات المثيرة والمهيّجة للدورة الدموية في الجلد بأنها تنشّط ردود فعل الجهاز الدوري والأوعية الدموية في الجسم عامةً، والحجامة من بين أبرز العلاجات المهيّجة للدورة الدموية في الجلد نتيجة قوة الشفط التي تؤثّر بها الحجامة في المكان المُعالَج. ويرى التفسير التقليدي للتداوي بالحجامة أنها تخرج الدم الفاسد من الجسم، وهو الدم الذي يحمل كريات الدم الحمراء الهرمة، أو الشوائب الدموية والأخلاط الرديئة، التي تصل إلى الدم من جرّاء استعمال الأدوية المختلفة والكيماويات. وهذا الدم الفاسد يتراكم ويركد ويتجمع في مناطق معينة في أثناء دورته بالجسم، في أعلى الظهر، وهي مناطق تتميّز بضعف التدفق والجريان، وبطء حركة الدماء، والسريان بها، فيقوم التخلّص منها بتنقية مجرى الدم العام، وتسهيل تدفّق الدم النقيّ الجديد وتنشيطه، وتنتج كريات دم حمراء جديدة مكان الفاسدة، فيصبح الدم حيوياً وصحياً أكثر من ذي قبل. وعليه، فإن دم الجسم يتخلص من جزء كبير من هذه السموم التي كانت عالقةً به؛ ليصبح أداؤه في حمل الأكسجين أكبر، وكذلك توزيع الغذاء فيه أكفأ. وهكذا، يستعيد الجسم توازنه الطبيعي من جديد، وتنشط عملياته وقدراته المناعية.
وفي سبيل التحقّق من هذا الاعتقاد التراثي القديم قام الدكتور رضا منتظر -في معهد أبحاث الحجامة في طهران- بمقارنة دم الحجامة بالدم الوريدي، وتمّت الدراسة على 40 متطوعاً، وأظهرت أن دم الحجامة يختلف اختلافاً كبيراً عن الدم الوريدي من حيث الدهون الثلاثية، والكولسترول، والجلوكوز، واليوريا، وحمض البوليك. واستنتجت الدراسة أن عملية التبرّع بالدم ليست نظيراً لعملية الحجامة؛ بسبب اختلاف الكثافة والنوعية الكيميائية للدم الخارج من الجسم في كلتا الحالتين، وهو ما يؤكّد ما قاله الأقدمون من أن الحجامة تذهب بالدم الفاسد (كيميائياً)، وقد قُدِّمت هذه النتائج في المؤتمر الثاني للطبّ الشعبي بطهران في أكتوبر عام 2004م.
وفي الآونة الأخيرة ثبت أن الحجامة تعمل على تنشيط الدورة الدموية الموضعية في العضلات من خلال زيادة إفراز مادة أكسيد النيتريك (No)، التي تعمل على توسعة الأوعية الدموية في الأمكنة التي تتمّ معالجتها. وهكذا، تعمل الحجامة على تحسين التقلصات العضلية وحركة المفاصل من خلال تنشيط الدورة الدموية الدقيقة في موضع الحجامة local microcirculation، وهو ما يؤدي إلى زيادة التروية الدموية موضعياً، ويساعد على تفريق الدم المحتقن والتورّم.
المزايا والمخاطر
من مزايا المعالجة بالحجامة: تخفيض استعمال الأدوية والعقاقير، والحماية من التعرّض لآثارها الجانبية ومضاعفاتها المؤذية، وتوفير معالجة أقلّ تكلفةً وأكثر ربحاً على المدى الطويل، لكنها لم تدخل إلى الآن في الكتب الطبية الحديثة بوصفها طريقة علاجية؛ إذ لا تتوافر عنها دراسات وفق المعايير العلمية الحديثة؛ فوفقاً لجمعية السرطان الأمريكية: «الدليل العلمي الموجود لا يدعم الحجامة بوصفها علاجاً للسرطان أو أيّ مرض آخر».
ويجدر التنبيه إلى أن استبدال الطب البديل بعلاجات الطب الحديث يمكن أن يؤدي إلى تشخيص غير كافٍ أو علاج لبعض الحالات التي أثبت فيها الطب الحديث فعاليةً فُضلى، ولهذا السبب يفضّل كثير من الأطباء واختصاصيو الطب البديل عدّ الحجامة علاجاً تكميلياً، وليس علاجاً بديلاً. كما أن سذاجة بعض ممارسي الحجامة، أو انعدام أخلاقهم، قد تدفعهم إلى حثّ المرضى على استخدام الحجامة بشكل مُسرف طلباً للربح، متستّرين باسم السنة والطب النبوي؛ لذلك على الجهات المعنية بالصحة العامة تنظيم ممارسة الحجامة ومراقبتها، وألا توفّر تراخيص لاختصاصيي الحجامة لغير الأطباء الذين حصلوا على التدريب الكافي على ممارسة الحجامة، إضافةً إلى تلقّيهم العلوم الطبية الحديثة في كليات الطب النظامية.
صهباء محمد بندق
طبيبة وكاتبة وباحثة مصرية
|